فصل: فصل في تدبير الجراحات ذوات الأورام والأوجاع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفن الرابع: تفرق الاتصال سوى ما يتعلقّ بالكسر والجبر:

يشتمل على أربع مقالات:

.المقالة الأولى: الجراحات:

.فصل في كلام كلّي في تفرق الاتصال:

قد بيّنا في الكتاب الأول أصناف تفرق الاتصال على النحو الذي وجب في مثل ذلك الموضع ونريد أن نشير الآن إلى جمل من أحوالها يجب أن تكون معلومة لنا أمام ما نريد أن نبينه فنقول أنا نروم في بعض الأعضاء التي تفرق اتصالها أن يعود اتصالها كما كان وذلك في مثل اللحم ونروم في بعضها أن يبقى تماسها بحافظ وإن لم يعد اتصالها وذلك العظم اللهم إلا في عظام الأطفال والصبيان فقد رحى فيهم ذلك العود.
وأما العصب والعروق فقد قال قوم من الأطباء أنها لا تعود متصلة بل ربما يبقى عليها تماس وأما جالينوس فقد أنكر عليهم وقال بل قد تلتحم الشرايين أيضاً بمشاهدة التجربة وتجويز من القياس أما المشاهدة فلأنه قد رأى الشريان الذي تحت الباسليق ورأى شرايين الصدغ والساق قد التحمت.
وأما التجويز الذي من القياس فلأن العظم طرف في الصلابة لايلتحم إلا قليلاً في الأطفال واللحم طرف في اللين يلتحم والعروق والشرايين: متوسطة بين العظام واللحم فيجب أن يكون حالها بين بين فتكون أقلّ قبولاً للإلتحام من اللحم وأسهل قبولاً له العظم فتلتحم إذا كان الشق قليلاً صغيراً والبدن رطباً ليناً ولا تلتحم فيما خالفه وهذا ضرب من الإحتجاج خطابي والمعول على التجربة.

.فصل في جملة في الجراحات:

من الأعضاء أعضاء إذا وقع فيها جراحة عظم الضرر وقتل في الأكثر وربما لم يقتل في النادر كالمثانة والكلى والدماغ والأمعاء الدقاق والكبد مع أنه يمكن أن يسلم عليها إذا كانت خفيفة.
وأما القلب فلا يتوقع السلامة مع حدوث جراحة فيه وأكثر من يعرض له جراحة في بطنه فإذا عرض له تهوعّ أو فواق أو استطلاق بطن مات.
وإذا كانت الجراحة في مواضع يجب أن يشتد فيها الوجع والورم كرؤوس العضل وأواخرها وخصوصاً العصبانية منها ولم يحدث ورم دل ذلك على آفة مستبطنة انصرفت إليها المواد فلم تفضل للجراحة ويجب أن تتأمل ما نقوله في باب القروح من أحكام تشترك فيها القروح والجراحات أخرناها إلى هناك التماساً للأوفق.

.فصل في كلام كلي في علاج الجراحات:

الجراحة اللحمية لا يخلو إما أن تكون شقاً بسيطاً مستقيماً ومدوراً أو ذا أضلاع أو شقاً مع نقصان شيء من اللحم وقد يكون غائراً نافذاً وقد يكون مكشوفاً ولكل واحد تدبير ويشترك الجميع في حبس الدم السائل.
وقد جعلنا له باباً وربما كان سيلان قدر معتدل من الدم نافعاً للجراحة يمنع الورم والتبثير والحمى.
فإن من أفضل ما يعني به في الجراحات أن تمنع تورّمها فإنه إذا لم يعرض ورم تمكن من علاج الجراحة.
وأما إذا كان هناك ورم أو كان رض وفسمح اجتمع في خلله مع الجراحة دم يريد أن يرم أو يتقيح لم يمكن معالجة الجراحة ما لم يدبر ذلك فيعالج الورم وإن احتقن في الرض دم فلا بد من أن يتعجل في تحليله إن كان له قدر يُعتد به وتمديد وذلك بإحالته قيحاً وتحليله وذلك بكل حار لين مما قد علم ولهذا ما يجب أن يعان سيلان الدم إذا قصر فإن كان الشق بسيطاً مستقيماً لم يسقط منه شي كفى في تدبيره الشدّ والربط ومنع الدهانة والمائية عنه ومنع أن يتخلله شيء من الأشياء ولا شعره ولا غيره بعد حفظك المزاج العضو واجتهادك في أن لا ينجذب إلى العضو إلا دم طبيعي.
وإن كان عظيماً لا تلتقي أطرافه لأنه مستدير متباعد أو مختلف الشكل أو قد ذهب منه لحم قليل غير كثير فعلاجه الخياطة ومنع اجتماع الرطوبة فيه باستعمال المجفّفات الرادعة واستعمال الملصقات التي نذكرها وإن كان غائراً فالشد أيضأ قد يلصقه كثيراً ولا يحتاج إلى كشفه وربما احتيج إلى كشفه إن أمكن وذلك حين ما لا ينفع شيء برباط يوثقه كما يبينه وخصوصاً حيث لا يقع الشدّ الجيد على أصل الغور فتنصبّ إليه مواد لضعفه وللوجع ولأحوال نذكرها في باب القروح وإذا احتيج إلى كشفه لم يكن بد من وضع قطنة أو ما يجري مجراها على فوهته تنشفه خصوصاً حيث يكون الشد لا يقع على الأصل كما قلنا أو تكون نصبته نصبة لا يمكن أن تنصب المادة الرديئة عنه أو يكون فيه عظم أو يكون قد انحرف وصار ناصوراً وصار فيه رطوبة رديئة جداً وهو حينئذ في حكم القروح دون الجراحات.
قال العالم إنما يحتاج الجرح إلى الربط الجامع للشفتين إذ أريد الالتزاق واللحام.
وأما إذا كان يحتاج إلى أن ينبت فيه لحم فلا يحتاج إلى ذلك لكن يحتاج مرة إلى الرباط الذي يصب الوضر من فيه ومرة إلى رباط بقدر ما يمسك الدواء عليه.
قال وتحرى أن يكون لفوهة الجرح مكان ينصب الوضر منه دائماً بطبعه إما بأن يوقع البطّ هناك وإما بأن يشكله بذلك الشكل فإني قد أبرأت جرحاً كبيراً كان غوره حيث الركبة وفوهته في الفخذ من غير أن جعلت له فوهة أخرى أسفل عند الركبة لكن نصبت الفخذ نصبة كان القعر فوق والفوهة أسفل فبرىء من غير بط في الأصل وكذلك قد علقت الساعد والكف وغيره تعليقاً تكون الفوهة أبداً إلى أسفل فهذا قوله ونقول ربما وقعت الجراحة حيث يوجب عليك القطع التام وإبانة العضو.
وأما إذا كانت الجراحة انقطع منها لحم كثير فتحتاج إلى المنبتات للحم وليس يكفي ما يجفف ويمنع بل ربما ضر المجفف والمانع من جهة ما يردع مادة ما ينبت منه وقد يكون الغور والنقصان من العظم بحيث لا يمكن أن ينبت بالتمام فيبقى غور كما أنه قد يتفق أن ينبت أكثر من الواجب فيكون لحم زائد ويجب أن يغذى المريض المراد نبات اللحم في جراحته بغذاء محمود جيد الكيموس وقد يكون المنبت بحيث يمكنه أن ينبت اللحم وأما الجلد فلا ينتبه إذا كان قد انقطع بكفيته بل إنما ينبت مكانه لحم صلب لا ينبت عليه شعر وأما العروق فكثيراً ما تتولد شعبها وتنبت كاللحم.
ومن الجراحات جراحات ذوات خطر مثل الجراحات الواقعة في الأعصاب وأطراف العضل وسنذكرها في باب أحوال العصب وكثيراً ما يتبعها أعراض منكرة رديئة مثل ما يتبع جراحة طرف العضل من تغير اللون وسقوط النبض بعد تواتر وصغر ويتأدى إلى الغشي وسقوط القوة وقد يتبعها التشنج.
وكذلك التي تقع قدام الركبة عند الرضفة فإنها تتبعها أعراض منكرة رديئة وهي قاتلة فلما يتخلص عنها وإذا وقع تشنج من مثل هذه الجراحات العضلية ولم تقبل العلاج فالعلاج قطع العضلة عرضاً والرضا ببطلان فعل العضلة ولكن ذلك مما يجب أن يؤخّر ما أمكن علاج التشنّج واختلاط العقل بشيء آخر غيره ومثل جراحة الركبة ربما احتاج أن يوضح بشق صليبي وأن يستظهر في أورامه وقروحه وجراحاته بالفصد والإسهال ومنع الإلتحام حتى يتنقى تنقية بالغة ثم يلحم.

.فصل في تعريف قوة ما ينبت وما يلحم وما يختم وما يأكل من الأدوية:

الدواء المنبت للحم: هو الذي يعقد الدم الصحيح لحماً فإن كان له تجفيف شديد منع الدم الوارد فلم تكن مادة للحم وإن كان له جلآء شديد أزاله وسيّله فأنفذ المادة الموجودة للحم فيجب أن لا يكون لِه كبير تجفيف بل إلى حدّ ولا جلآء قوي جداً بل جلآء قليل قدر ما يجلو لو ضر من غير لذع ولا يحتاج إلى قبض يعتد به ويحتاج أيضاً أن يكون في الحرارة والبرودة والقرحة في مزاجها إن كانت زائلة فبالضد بقدر الزوال وإن كانت غير زائلة زوالاً يعتد به فبالمشاكل للحار جداً حار جداً وللبارد جداً بارد جداً وتراعي أيضاً تأثر الدواء في الموضع ليقابله إن أفرط في إساءة المزاج.
وأما الأدوية الملحمة: فهي التي تجمع بين المتباعدين ولا تحتاج أن تتصرف إلا في سطحيهما فتلصق بينهما بالنداوة التي في جوهرهما وإن كان دم حاضر فهي التي تجفف الدم الحاضر في الجرح المكتفى به في الإلصاق تجفيفاً سريعاً قبل أن يتقيح ولا يمكنها ذلك إن لم يكن معها فضل قوة على التجفيف ولكن يجب أن لا تكون جالية فإن الجلاء ضد الغرض فيها لأن الغرض فيها جعل الحاصل من الدم غراء ولصوقاً والجلاء يجلو ذلك الدم ويبعده فتنقذ المادة التي تتوقع منها التغرية وليس تحتاج إلى نقصان في التجفيف كما تحتاج إليه المنبتة لأن المنبتة تحتاج إلى أن تسيل إليها المادة وتلك المادة يمنع سيلانها التجفيف والملحمة لا تحتاج بل تحتاج الملحمة إلى تجفيف أقوى ويسير قبض والمدملة الخاتمة أشد حاجة إلى القبض منهما جميعاً لأنها تحتاج إلى أن تجفّف ما هو بالطبع أشد جفافاً أعني الجلد ولأنها تحتاج أن تجفّف الرطوبة الغريبة والأصلية تجفيفاً شديداً جميعاً وما قبله كان تحتاج إلى أن تجفف الرطوبة الغريبة تجفيفاً أكثر والأصلية تجفيفاً بقدر ما يغري ويغلص ولا ينقص من الجوهر.
وأما الأكالة الناقصة اللحم فيجب أن تكون شديدة الجلاء جدا.

.فصل في بط الجرح وغيره إذا احتيج إلى كشفه:

قال جالينوس: يجب أن تشق من أشد موضع منه نتوء واركه ويكون توجيه البط إنما هو إلى الناحية التي يمكن مسيل القيح منها إلى أسفل وأن يراعى في البط الأسرة والغضون على الوجه الذي ذكرناه في باب الخراجات والدبيلات إلا فيما استثنيناه.
وأما في مثل الأربية والإبط فيجب أن يذهب البط مع الجلد في الطبع ثم توضع عليه المجففات من غير لذع مما هو مورد في جداول الأدوية المفردة ودقاق الكندر أفضل فيها من الكندر لأن ذلك أشد قبضاً والصواب في علاج الخراجات إذا بطت أن لا يقربها الماء وإن كان ولا بد ولم يصبر العليل عن الإستحمام فيجب أن يغيب الجرح تحت المراهم الموافقة مغشاة من الخرق المبلولة بالدهن تغشية تحول بين ماء الحمام ورطوبته وبين الجراحة أو تحتال في ذلك بشيء من الحيل الممكنة فيه.

.فصل في تدبير الجراحات ذوات الأورام والأوجاع:

تحتاج أمثال هذه الجراحات إلى الرفق وأن يعتقد أن الجراحة لا تندمل البتّة ما لم يسكن الورم ولا يتم ذلك إلا بما فيه تجفيف وتبريد في أول الأمر وإرخاء في الثاني وأن تستعمل فيه علاج الأورام بالجملة ومما هو خاص بذلك مع عموم نفعه في كل عضو ومن الرأس إلى القدم أن يؤخذ رمانة حلوة فتطبخ بشراب عفص ويضمّد بها الموضع ويجب أن تتأمل إلى ما يؤول إليه حال الورم مثل أنك إن كنت استعملت المرهم الأسود فرأيت الجراحة تشتدّ حمرتها أو تتنقّط ملت إلى المبرّدات وإلى المرهم الأبيض وإن رأيتها تترهّل أو تتصلب وقد استعملت الأبيض استعملت الأسود أو غيره.

.فصل في تدبير كلي في جراحات الأحشاء من باطن وظاهر:

الغرض فيما يتوهّم أنه شق وصدع من باطن أن يلحم ولا يترك الدم يجمد في الباطن وأن يمنع نزف الدم والأدوية النافعة في الغرضين الأولين مثل البلابس إذا طبخت في الخلّ أو يسقى من القنطوريون الكبير وزن درهم واحد وللطين المختوم في ذلك غناء عظيم.
وأما ما يسقى بسبب منع النزف فمثل وزن دانق ونصب من بزر البنج بماء العسل وسائر الأدوية المذكورة في منع نزف الدم ونفثه.
وأما الجرح والشق الظاهران فقال العالم: إن انخرق مراق البطن حتى تخرج بعض الأمعاء فينبغي أن تعلم كيف يضم المعي ويدخل فإن خرج شيء من الثرب فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يربط برباط وثيق أم لا وهل تخاط الجراحة أم لا وكيف السبيل في خياطته وقد ذكر جالينوس تشريح المراق.
وذكرناه نحن في التشريح.
قال: ولما قد ذكرنا في التشريح فموضع الخصرين أقل خطراً إذا انخرق من موضع البهرة والبهرة وسط البدن والخصران من الجانبين مقدار أربع أصابع عن البهرة قال: لأن الشقّ إذا وقع في موضع البهرة خرجت الأمعاء معه أكثر وربما فيه يكون أعسر وذلك أن الشيء الذي كان يضبطها إنما كان العضلين المنحدرتين في طول البدن اللتين تنحدران من الصدر إلى عظم العانة ولذلك متى انخرقت واحدة من هاتين العضلتين فلا بد أن يخرج بعض الأمعاء وينتؤ من ذلك الخرق وذلك لأن العضل التي في الخصرين تضغطه ولا تكون له في الوسط عضلة قوية تضبطه فإن تهيأ أن تكون الجراحة عظيمة خرجت عدة من الأمعاء فيكون إدخالها أشد وأعسر.
وأما الجراحات الصغار فإن لم تبادر بإدخال المعي من ساعته انتفخ وغلظ وذلك لما يتولد فيه من الريح فلا يدخل من ذلك الخرق ولذلك فأسلم الجراحات الواقعة بالمراق الخارقة ما كان معتدلاً في العظم.
قال: وتحتاج هذه الجراحات إلى أشياء: أولها أن يرد المعي البارز إلى الموضع الذي هو له خاصة والثاني: أن يخلط والثالث: أن يوضع عليه دواء موافق والرابع: أن يجتهد أن لا ينال شيئاً من الأعضاء الشريفة من أجل ذلك خطر.
إن كانت الجراحة من الصغر بحال لا تمكنها لصغرها أن يدخل المعي البارز وعند ذلك لا بد إما أن تحلل تلك الريح وإما أن توسع ذلك الخرق وإن تحلل الريح أجود إن قدرت عليه والسبب في انتفاخ المعي هو برد الهواء فلذلك ينبغي أن تغمس إسفنجة في الماء الحار وتعصرها وتكمّد بها الشراب القابض إذا أسخن أيضاً كان نافعاً في هذا الموضع وذلك أنه يسخن أكثر من إسخان الماء ويقوي الأمعاء فإن لم يحلّل هذا العلاج انتفاخ المعي فليستعمل توسيع الجراحة.
وأوفق الآلات لهذا الشق الآلة التي تعرف بمبط النواصير فأما سكاكين البط الحادة من الوجهين والمحددة الرأس فلتحذر وأصلح الأشكال والنصب للمريض إن كانت الجراحة متجهة إلى فوق فالشكل والنصبة المتجهة إلى أسفل.
وليكن غرضك الذي تقصده في الأمرين جميعاً أن لا تقع سائر الأمعاء على المعي الذي برز فتنقله فإذا أنت فعلت هذا أو جعلته غرضك علمت أنه إن كانت الجراحة في الشق الأيمن فينبغي أن يأخذ المريض بالميل إلى الشق الأيسر وإن كانت في الأيسر أخذته بالميل إلى الأيمن ويكون قصدك دائماً أن تجعل الناحية التي فيها الجراحة أرفع من الناحية الأخرى فإن هذا أمر يعم جميع هذه الجراحات.
وأما حفظ لأمعاء في مواضعها التي لها خاصة.
بعد أن ترد إلى البطن إذا كانت الجراحة عظيمة فتحتاج إلى خادم جزل وذلك أنه ينبغي أن يمسك موضع تلك الجراحة كله بيده من خارج فيضقه ويجمعه ويكشف منه شيئاً بعد شيء للمتولي لخياطتها أو يعمد إلى ما قد خيط منها أيضاً فيجمعه ويضمه قليلاً قليلاً حتى يخيط الجراحة كلها خياطة محكمة وأنا واصف لك أجود ما يكون من خياطة البطن فأقول أنه لما كان الأمر الذي تحتاج إليه هو أن تصل ما بين الصفاق والمراق فينبغي لك أن تبتدىء فتدخل الإبرة من الجلد من خارج إلى داخل فإذا أنفذت الإبرة في الجلد وفي العضلة الذاهبة على استقامة في طول البطن كلها تركت الحافة من الصفاق في هذا الجانب لا تدخل فيها الإبرة وأنفذت الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج فإذا أنفذتها فأنفذها ثانياً في هذه الحافة نفسها من المراق من خارج إلى داخل ودع حافة الصفاق الذي في هذا الجانب وأنفذ الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج وأنفذها مع إنفاذك لها في الصفاق في حافة المراق التي في ناحيته حتى تنفذها كلها ثم ابتدىء أيضاً من هذا الجانب نفسه وخيطه مع الحافة التي من الصفاق في الجانب الخارج وأخرج الإبرة من الجلدة التي بقربه ثم رد الإبرة في ذلك الجلد وخيط حافة الصفاق التي في الجانب الآخر مع هذه الحافة من المراق وأخرجها من الجلدة التي في ناحيته وافعل ذلك مرة بعد أخرى إلى أن تخيط الجراحة كلها على ذلك المثال فأما قدر البعد بين الغرزتين فيجب أن يتوقى الإسراف في السعة والضيق فإن السعة لا تضبط على ما ينبغي والضيق يتفزر.
والخيط أيضاً إن كان وترياً أعان على التفزر وان كان رخواً انقطع فاختر بين اللين والصلب وكذلك إن عمقت الغرز في الجلد وإن أبعد من التفزر إلا أنه يبقى من الخيط داخل الجراحة لا يلتحم فاحفظ الاعتدال ههنا.
قال أيضاً: واجعل غرضك في خياطة البطن إلزاق الصفاق بالمراق فإنه يكد ما يلتزق ويلتحم به لأنه عصبي وقد يخيط قوم على هذه الجهة.
ينبغي أن تغرز الإبرة في حاشية المراق الخارجة وتنفذها إلى داخل وتدع حاشيتي الصفاق جميعاً ثم ترد الإبرة وتنفذها ثم تنفذ الإبرة في حاشيتي الصفاق جميعاً بردك الإبرة من خلاف الجهة التي ابتدأت منها ثم تنفذها في الحاشية الأخرى من حاشية المراق وعلى هذا.
وهذا الضرب من الخياطة أفضل من الخياطة العلمية التي تشلّ الأربع حواشي في غرزة وذلك أنها بهذه الخياطة أيضاً التي قد ذكرنا قد يستتر الصفاق وراء المراق ويتصل به استتاراً محكماً.
قال: ثم اجعل عليه من الأدوية الملحمة والحاجة إلى الرباط في هذه الجراحات أشدّ ويبلّ صوف مرعزي بزيتٍ حارٍ قليلاً ويلفّ على الإبطين والحالبين كما يدور وتحقنه بشيء مليّن أيضاً مثل الأدهان والألعبة وإن كانت الجراحة قد وصلت إلى الأمعاء فجرحته فالتدبير ما ذكرناه إلا أنه ينبغي أن يحقن بشراب أسود قابض فاتر وخاصة إن كانت الجراحة قد بلغت أو نفدت وراءه والمعي الصائم لا يبرأ البتّة من جراحة تقع فيه لرقة جرمه وكثرة ما فيه من العروق وقربه من طبيعة العصب وكثرة انصباب المرار إليه وشدّة حرارته لأنه أقرب الأمعاء من الكبد.
قال جالينوس في كتاب حيلة البرء وليكن غرضك عند انخراق مراق البطن مع الصفاق أن تخيطها خياطة تلزق الصفاق بالمراق لأنه عصبي بطيء الإلتحام بغيره وذلك بنوع الخياطة التي ذكرناها لأنها تجمع وتلزق وتلزم في غرزة الصفاق قال: والأمعاء إذا خرجت فادع شراباً أسود قوياً فيسخّن ويغمس فيه صوف ويوضع عليه فإنه يبدّد انتفاخها ويضمرها فإن لم يحضر فاستعمل بعض المياه القوية القبض مسخناً فإن لم يحضر فكمّده بالماء الحار حتى يضمر فإن لم يدخل في ذلك فوسّع الموضع.
قال بقراط: إذا خرج الثرب من البطن في جراحة فلا بد أن يعفن ما خرج منه ولو لبث زماناً قليلاً وهو في ذلكَ أشدّ من الأمعاء والكبد لأن الأمعاء وأطراف الكبد إن لم تبق خارجة مدة طويلة حتى تبرد برداً شديداً فإنها إذا أدخلت إلى البطن والتحم الجرح تعود إلى طباعها.
فأما الثرب فإنه وإن لبث أدنى مدة فلا بدّ من أنه إن أدخل البطن ما بدا منه أن يعفن ولذلك تبادر الأطباء في قطعه ولا يدخلون ما بدا منه إلى البطن البتّة فإن كان قد يوجد في الثرب خلاف هذا فذلك قليل جداً لا يكاد يوجد وإن خرج شيء من الثرب فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يقطع أو لا وهل ينبغي أن تخيط الجراحة أم لا وكيف تخيط فإن وقعت الجراحة بالبهرة وهي وسط البطن فهي أكثر خطراً لأن أطراف العضل المغشي على البطن هناك وإن كان في الخصرين وهما عن جنبتي وسط البطن عن يمين وشمال نحو أربع أصابع فهو أسلم لأنه ليس فيه شيء من أطراف العضل العصبية.
فأما موضع البهرة فخياطتها أيضاٌ عسرة وذلك لأن الأمعاء تنتؤ وتخرج عن الخرق الذي في هذا الموضع أكثر وردها في هذا الموضع أعسر وذلك أن الذي يضمها ويضبطها هو العضلتان الممدودتان في طول البطن اللحمتان اللتان تنحدران من الصدر إلى الركب وهو عظم العانة ولذلك متى وقعت الجراحة في هذا الموضع قطعت هذه العضلات فكان نتوء المعي أشد لأن العضل التي في الخصر تضغطه ولا يكون له في الوسط عضلة قوية تمسكه فإن تهيأ مع ذلك أن تكون الجراحة عظيمة فلا بدِّ أن ينتؤ ويخرج منها عدّة أمعاء فيكون إدخالها أعسر.